dimanche 27 septembre 2015

إسلام ما قبل الإسلامإسلام ما قبل الإسلام - السفير - محمد السماك


إسلام ما قبل الإسلام


نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-08-18 على الصفحة رقم 15 – قضايا وآراء

في الآية 58 من سورة الحج (السورة 22)، يقول الله تعالى: «ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل». أي ان إبراهيم عليه السلام هو أول من أطلق صفة المسلمين على الذين آمنوا معه بالله واستسلموا لإرادته ومشيئته.
وفي الآية 12 من سورة الزمر (السورة 39)، يقول الله تعالى على لسان النبي محمد عليه الصلاة والسلام: «وأمرت لأن أكون أول المسلمين». وهو ما ورد ذكره مرة ثانية في القرآن الكريم أيضاً بقوله: «لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين». (الأنعام ـ الآية 163).
من هنا السؤال الذي يشكل مفتاح هذا البحث: كيف يكون إبراهيم عليه السلام هو «من سماكم المسلمين من قبل»، ويكون محمد عليه السلام الذي جاء بعده بقرون عدة، أول المسلمين»؟ أي كيف لا يكون أول من أطلق اسم المسلمين على المؤمنين بالله، هو نفسه أول المسلمين؟ وكيف يكون آخر الأنبياء والمرسلين هو أول المسلمين؟
بين رسولَيْ الله إبراهيم ومحمد سلسلة طويلة من الرسل والأنبياء. منهم من ورد ذكرهم في القرآن الكريم ومنهم من لم يرد، «منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك» (سورة غافر ـ الآية 78). ولكن ما من نبي أو رسول ورد ذكره في القرآن الكريم إلا وأعلن إسلامه لله هو والمؤمنون من قومه، وبموجب الشريعة التي أوحى الله بها إليه.
في الأساس، حدد القرآن الكريم الهوية الإيمانية لإبراهيم عليه السلام سلباً وايجاباً. في التحديد السلبي قال: «ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً» وذلك لأنه بعث قبل اليهودية وقبل النصرانية. وفي التحديد الإيجابي قال: «ولكن كان حنيفاً مسلماً» (آل عمران ـ الآية 67).
وفي الأساس أيضاً فإن إبراهيم وابنه إسماعيل توجها إلى الله بدعاء مشترك قالا فيه: «ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك» (البقرة ـ الآية 132).
وفي الأساس كذلك حدد القرآن الكريم وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه ويعقوب بقوله: «أن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون» (البقرة ـ الآية 132).
وفي ضوء هذه الوصية نقل القرآن الكريم حواراً بين يعقوب عليه السلام وأبنائه. فقد سألهم: «ما تعبدون من بعدي؟». «قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون». (البقرة ـ الآية 133).
وفي دعاء يوسف عليه السلام إلى ربه قال: «أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين». (يوسف ـ الآية 101). فالإسلام هو طريق الصالحين... وهو الطريق إلى الصالحين.
وفي القرآن الكريم وصف نوح عليه السلام ايمانه بالإسلام بعدما رفض قومه الاستماع إلى دعوته، فقال: «إن اجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين». (يونس ـ الآية 72).
ويروي القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام مع سحرة فرعون الذين أدركوا أن عصا موسى التي التهمت عصيهم التي حولوها إلى ثعابين وهمية كانت إعجازاً خارقاً وحقيقياً، فخروا له ساجدين وهم يرددون: «ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين». (الأعراف ـ الآية 126)، وذلك ادراكاً منهم بأنهم سوف يتعرضون بسبب ايمانهم بموسى عليه السلام إلى عذاب انتقامي قاتل من فرعون، فدعوا الله أن يفرغ عليهم الصبر وأن يتوفاهم مسلمين.
وفي حديثه إلى قومه ربط موسى عليه السلام بين الإيمان بالله والإسلام. فقال لقومه: «إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين». (يونس ـ الآية 84). ويصف القرآن الكريم كيف ان فرعون وجنوده لحقوا بموسى وقومه إلى البحر، ويقول: «وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين». (يونس ـ الآية 90).
ويروي القرآن الكريم كذلك قصة نبي الله سليمان عليه السلام ودعوته إلى قوم تحكمهم امرأة بقوله: «ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين» (النمل ـ الآية 31)، أي مسلمين لله. وفي حديث سليمان عليه السلام إلى الجن الذين سخرهم الله لخدمته «قال أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها (عرش بلقيس) قبل أن يأتوني مسلمين». (النمل ـ الآية 38). حتى ان الجن أنفسهم قالوا: «وأنَّا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تَحَرَّوا رَشَداً» (الجن ـ الآية 14).
ويشير القرآن الكريم إلى معاناة عيسى عليه السلام مع قومه الذين رفضوا دعوته. ويروي حواراً جرى بينه وبين حوارييه على الشكل التالي: «فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون». (آل عمران ـ الآية 52). أي ان حواريي عيسى عليه السلام أشهدوا الله على انهم مسلمون.
ويجدد القرآن الكريم الإشارة إلى هذه الواقعة الايمانية حيث يقول: «وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسلي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون». (المائدة ـ الآية 111).
فالحواريون آمنوا بالله، وبالمسيح عيسى ابن مريم، وآمنوا كذلك بمن سبقه من رسل الله ـ ولذلك قال «أن آمنوا بي وبرسلي» بالجمع ـ، وهو الايمان العام والشامل الذي اشهدوا الله عليه بأنهم مسلمون.
من أجل ذلك يدعونا القرآن الكريم إلى عدم مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن. ويعلمنا كيف يكون الجدال معهم بالتي هي أحسن، فيقول: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ـ وهو الجدال بالتي هي أحسن ـ آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون». (العنكبوت ـ الآية 46).
وهذا يعني ان صفة الإسلام تطلق على الايمان بما أنزل إلى محمد عليه السلام وما أنزل من قبله من وحي السماء وخاصة إلى عيسى وموسى عليهما السلام، والايمان أيضاً بأن إله المسلمين وإله أهل الكتاب إله واحد.
يتردد هذا الموقف المبدأي التأصيلي بشكل تفصيلي في القرآن الكريم، وخاصة في قوله تعالى: «قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون». (آل عمران ـ الآية 84).
وبموجب مضمون هذه الآية الكريمة فإن التعريف العام للإسلام يكون الايمان بجميع رسل الله وأنبيائه، وعدم التفريق بينهم ـ وهذا أمر جوهري في العلاقات الايمانية ـ والايمان برسالات الله جميعاً التي حملها هؤلاء الرسل والأنبياء من ربهم.
ويربط القرآن الكريم دائماً الايمان بالله الواحد بالإسلام لله الواحد:
«قل إنما يوحى إليّ إنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون». (الأنبياء ـ الآية 108).
« الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين» (الزخرف ـ الآية 69).
«واصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين» (الأحقاف ـ الآية 15).
«ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين». (فصلت ـ الآية 33).
فالإسلام يقتضي أولاً الإيمان بالله الواحد وبجميع كتبه ورسالاته، وبجميع رسله وأنبيائه. ويتماهى الإصلاح والعمل الصالح مع الإسلام ويتكاملان معه، وهما يشكلان قاعدة من القواعد التي يقوم عليها الدين، ذلك ان العمل الصالح مرتــبط دائماً بالإيـــمان بالله الواحد. كذلك فإن التوبة الى الله مدخلها الإسلام لله الواحد.
انطلاقاً من هذه القواعد الكلية للإيمان، نفهم قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ذلك ان من مكارم أخلاقه عليه السلام انه وصف رسالته التي أوحى بها الله اليه ليس بإلغاء ما قبله من رسالات أو تسفيهها، بل بإتمامها.
والإتمام يقوم على الإيمان بتلك الرسالات وبأصحابها، ومن ثم بالبناء عليها. ويقوم كذلك على الإيمان بقبول المؤمنين بها ومحبتهم واحترامهم لإيمانهم. وهو ما أكده القرآن الكريم في محكم آياته. وهو ما ترجمه النبي الكريم في أقواله وفي سلوكه ومواثيقه (وثيقة المدينة ـ التي نصت على ان المسلمين واليهود هم أمة واحدة ـ والعهدة النبوية لنصارى نجران بعد استقبالهم في بيته الشريف في المدينة المنورة ـ والتي نصت على احترام عقيدتهم ودور عبادتهم). ونجد في ذلك كله تفسيراً لقول الله سبحانه وتعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً». (المائدة ـ الآية 3). بمعنى أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم تمثل اكتمال الإسلام، لأنه هو خاتم الرسل والأنبياء، ولأن القرآن الكريم هو خاتم كتب الله ورسالاته، ولأنه لا يوحي من بعده. وبذلك يكون محمد عليه السلام أول المسلمين بمعنى انه أول مؤمن بالدين الذي تكامل مع الأديان السابقة له وبها. أي ان المسيرة الإيمانية بالله الواحد ـ الإسلام لله ـ قد اكتملت بدءاً بإبراهيم عليه السلام (هو سماكم المسلمين) وانتهاء بمحمد عليه السلام (وأنا أول المسلمين).
وفي ذلك تفسير لما جاء في القرآن الكريم من: «ان الدين عند الله الإسلام» (آل عمران ـ الآية 19)، ولما جاء فيه أيضاً: «ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه». (آل عمران ـ الآية 85).
فلأن المسيرة الإيمانية بالله الواحد وصفت بالإسلام، من إبراهيم وانتهاء بمحمد عليهما السلام، كما بيّنا، فليس من الصواب تحميل هاتين الآيتين الكريمتين أي معنى يخرج أهل الكتاب من الدين وتالياً من الإيمان بالله الواحد.
حاشى لله ان يختار رسولاً أو نبياً، وأن يوحي له بدين يهدي به الناس إلى الصراط المستقيم، ثم يختار بعد فترة من الزمن، أو في مكان آخر، رسولاً أو نبياً، آخر، ويوحي له بدين يلغي ما سبق؟!
فالدين، الذي يقوم على الإيمان بالله والإسلام له، هو دين واحد. أما الشرائع، فقد شاءت رحمة الله وحكمته أن تكون مختلفة باختلاف الأزمان والظروف والحاجات الإنسانية. والجامع المشترك بين جميع رسالات الله، على تعددها، هو الإسلام لله الخالق البارئ الواحد الأحد.
صحيح ان تفسير المسيحية لاهوتياً للوحدانية الإلهية غير مفهوم في الفقه الإسلامي.

 وصحيح أن كل ما هو غير مفهوم، يبقى موضع اختلاف، إلا أن الله، والله وحده هو الذي يحكم يوم القيامة بين الناس في ما كانوا فيه يختلفون.
وهذا يعني انه لا يحق احتكار الإيمان بالله أو إسقاطه عن الآخر المختلف، لمجرد انه مختلف.

ولا يحق الادعاء بممارسة دور هو لله وحده في الحكم على ما في ضمير أي إنسان، له أو عليه.
فالإيمان كما حدده الإسلام هو ما «وقر في القلب وصدقّه العمل».

http://assafir.com/article/438036

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Bienvenu