السُـنَّـةُ ليسوا وحـدَهم أهلَ السُـنَّـة
الجمعة,28 حزيران 2013 الموافق 19 شعبان 1434 هـ بقلم سجعان القزي |
السُـنَّـةُ ليسوا وحدَهم أهلَ السُـنَّـة. نحن، المسيحيين، أهلهُم وأهلُ الشيعة والدروز وكلِّ المسلمين؛ وأنتم كلكم أهلـنُـا. هذا دورنا في الشرق عموماً وفي لبنان خصوصاً. وأساساً ماذا يعني تعبيرُ أهلِ السُـنَّـة؟ هل السُـنَّـةُ يتامى يبحثون عن أباءٍ وأمهات يتبـنّـونهم ويُـعطونهم إخراجَ قيدٍ وسجلاً عدلياً؟
السُـنَّـةُ أهلُ الخلف لا أهلُ السلف. أهل الزمن الآتي لا أهلُ العصر الغابر. فكم من تأكيدٍ جاور الشك. مجردّ أن يحدِّد الإنسان نفسَه يكون، ويعترف بالآخر. نحن موجودون معكم في القرآن الكريم والحديث والفقه. موجودون معكم في قضايا الحرية والعدالة. موجودون معكم في وجعكِم مِن أخذِ الصالح بجريرة الطالح... موجودون معكم من خَـيْـبَر إلى فلسطين، وأنتم معنا في الدول والأوطان والمجتمعات والعائلات والوجدان. نحن معاً.
< أهلُ السُـنَّـةِ هي الخمسُ عشرةَ سورةٍ في ثلاثٍ وتسعين آيةٍ قرآنية وَرد فيها اسمُ المسيح ومريم.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو القِس ورقة بن نوفل، ابنُ عم السيدة خديجة زوجة الرسول، وقد كان يأنس به ويرتاح إلى صفاء حديثه وفكره ونسكه.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو النجاشي، المسيحي، سيّـدُ أقصوم (الحبشة)، يقدّم لأنصار النبي محمد ملاذاً حين ظلمه أهل مكة، فأعلن النبي محمد الحداد عليه لدى موته، وكان أولَ حداد في تاريخ الإسلام.
< أهل السُـنَّـةِ هم مسيحيّو الحبشة الذين جنّدهم ملِكُهم للذودِ عن مكة.
< أهل السُـنَّـةِ هو بِـلال المسيحي مؤذِّنُ النبي يَخلُد إلى صوته وترنيمه وقد تعلَّم العربيةَ وشاءَ الإسلام.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو النبي محمد يقول في المسيح: «لو كان الله وُلِدَ فأنا أولُ العابدين».
< أهلُ السُـنَّـةِ هم من ردّدوا: «سلامٌ عليه يومَ وُلد ويومَ يموت ويومَ يُبعثُ حيّـاً»
< أهلُ السُـنَّـةِ هم من صلّوا: «قد آمـنّـا بالله وما أُنزِل علينا وما أُنزلَ على إبراهيم واسمعيلَ واسحقَ ويعقوب والأسباطَ وما أوتِيَ موسى وعيسى والـنَبِـيّـون مِن ربِّـهم لا نُـفرِّق بين أحدٍ منهم ونحن لهم مسلِمون».
< أهلُ السُـنَّـةِ هي مريم الـقُبطية زوجةُ النبي وقد أعطته ابنَه إبراهيم فمات طفلاً.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم مسيحيّو مَكّـة والمدينة الذين أخلصوا في الولاء لنبي المسلمين فأحبهم حباً لا غُشَّ فيه وقد حَـفَظ القرآنُ آياتٍ تَرجمت مَودَّةَ النبيّ تجاههم: «ولَـتَجِدنَّ أَقـرَبَهم مَودةً للّذين آمنوا، الّذين قالوا إنّـا نصارى، ذلك بأنَّ منهم قِسيسينَ ورُهباناً وإنهم لا يَستكبِرون».
< أهلُ السُـنَّـةِ هم نصارى تَبوك ومُؤتَـه الذين تعاهدوا مع الإسلام بعد الغزوات.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم أهلُ نَجران الذين صلّوا صلاةَ الفِصح سنةَ 631 في أولِّ جامعٍ إسلاميّ في المدينة المنـوَّرة.
< أهلُ السُـنَّـةِ هي القبائلُ المسيحيةُ المناهضةُ لقيصرِ الروم، يسيرون في طليعةِ الغزاةِ المسلمين نحو سوريا وينتصرون.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم الغساسنةُ ينسحبون من الجيشِ البيزنطي وينضمّون إلى المسلمين العرب في معركة اليرموك سنةَ 637 فيأتي عُمر بن الخطّاب بنفسه إلى مَعقِلهم في «جابـيّـة» جنوبي دمشق ليشكرَهم.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم بنو تغلِب وبكر وموصُل المسيحيون الذين آزروا الخليفةَ عمر بن الخطاب في فتوحاته الأساسية، لا سيما في معركتي القادسية سنةَ 635 وجَلّولة سنةَ 637 اللتين وفّرتا له السيطرة على بلادِ فارس.
أهلُ السُـنَّـةِ هم مقاتلو قبيلة بني تغلِب يساعدون يزيد في معركة حرّاء سنة 683، والصلبانُ على صدورهم.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم أقباطُ مِصر الذين فضّلوا العربَ على الرومان لأنهم كانوا على خلاف لاهوتي مع بيزنطيا. ولما دخل عَمرو بن العاص إلى مصر سنةَ 639 قال أحد أعيان الأقباط: «أَرسلَ الله إلينا العربَ لينقذونا من الروم».
< أهلُ السُـنَّـةِ هم المردةُ المسيحيون يستعين بهم الوليدُ الأول بن عبد الملك ويزيدُ الثاني وهشامُ بن مروان في القرن الثامن للقضاء على الاضطرابات في بلاد العراق.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو «يوحنا المعمدان لا يَشرَب خمراً ولا مُسكَراً ويمتلئ من الروحِ القدس» (يعني لست أنا).
< أهلُ السُـنَّـةِ هم مسيحيو تكريت ينضمّون إلى قوات خالد بن الوليد لمّا التقاهم في مركز بطريركيتهم، وقال لهم: «ما لكم ولليونان وما الذي يجمع بينكم وبينهم؟، فنحن وأنتم عرب بعرب».
< أهلُ السُـنَّـةِ هو القائد العربي ابن نصير أولُ الواصلين إلى مضيق جبل طارق سنة 711، وهو مسيحيٌّ لبناني اعتنق الإسلام. لكن اسمه لم يُعط للمضيق لأن طارق بن زياد كان قائد الحملة.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم أولئك المستشارون المسيحيون الذين أَوْكل معاويةُ إليهم مسؤولياتٍ سياسيةً وعسكرية ومالية. فكان معاوية مسلماً منفتحاً يتحاشى التيارات والبِدع الإسلامية المتطرفة، وقد نفى إسلاميين متطرفين كَأبي ذر الغفاري إلى جنوب لبنان (التاريخ يعيد نفسه).
< أهلُ السُـنَّـةِ هم أولئك السوريون واللبنانيون كـ يوحنا الدمشقي يتّـكل عليهم معاوية عوض أبناءِ شبه الجزيرة العربية حين قرر الانفتاح على البحر والغرب عوض البقاء في دائرة مغلَقة بين العراق والحجاز.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو معاوية يُعجَب بحضارةِ الفينيقيين وبخريطة انتشارهم حولَ المتوسط، فيطلب منهم أن يَبنوا له من غابات لبنان أسطولاً بحرياً في مرفأي طرابلس وصور، ويُسلّم قيادته إلى بحارة لبنانيين مسيحيين، فدشّنه شخصياً مع زوجته «ميسون» من قبيلة بني كلِب العربية المسيحية.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو المسيحي منصور ابن سرجون الذي كان بمثابة الرجل الثاني في السلطة من ناحية التأثير على قرار معاوية فابنه يزيد. ولقد «كلّفه معاوية، حين كان على سرير الموت، بتسيير دفةِ الحكم حتى عودة ابنه يزيد من الخارج».
< أهلُ السُـنَّـةِ هم خلفاءُ أمويون أخذ أهلُ مَكّـة والحجاز عليهم ابتعادَهم عن القبائل القيسية في قلب شبه الجزيرة العربيّة وتَـقَـرّبَـهُم من القبائل اليمنيّة، نسبة إلى بلاد اليمن السعيد، التي كانت أغلبيتُها لا تزال مسيحية مثل بني صالح وبني تغلِب وبني كلِب:
< أهلُ السُـنَّـةِ هم جماعةُ بني نجران الذين طُردوا من شبه الجزيرة العربية فاحـتَضنَـهم يزيد بن معاوية وأعفاهم من الضرائب.
< أهلُ السُـنَّـةِ هو الإمامُ الأوزاعي ينبري نحو سنةِ 760 مدافعاً عن المسيحيين اللبنانيين، بعد ثورتهم في المنيطرة على الوالي العباسي. وينقل عبد الحق الأشبيلي في يومياته عن رواة «أن نحو ثلاثين ألفاً من أهل الذِمّـة، المسيحيين واليهود، أسلموا يومَ جنازتِه بعدما رأوا كَثرةَ الخَلق في تشييع جثمانه».
< أهل السُـنَّـةِ هو عبد القادر الجزائري يفتح دارتَـه وبيوتَ أصدقائه في الشام لاستضافة المسيحيين اللبنانيين والسوريين الهاربين من مجازرِ سنةَ 1860.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم أولئك المسلمون اللبنانيون، سُـنَّـةً وشيعةً الذين استقبلوا تمثال العذراء مريم يوم مرّ على قرى لبنان ومدنه سنة 1954.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم رياض الصلح يشارك في وضع الميثاق الوطني، وصائب سلام يتضامن مع المسيحيين فيقاطع الانتخابات النيابية سنة 1992، ورفيق الحريري يقول بعد اتفاق الطائف: « أوقفنا العدّ».
< أهلُ السُـنَّـةِ هو سعد الحريري يضرب يدَه على الحائط غضباً على استشهادِ صديقه بيار أمين الجميل فيكسِرُها ويبكي ويثور.
< أهلُ السُـنَّـةِ هم كل شهداءِ لبنان، إلى أي دين انتموا، الذين سقطوا من أجل سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وحريته لـيُعطوا الصيغةَ اللبنانية الفريدة (والمستفرَدة) فرصةً جديدة للحياة.
من وحي هذه المفاهيم والقيم، تعالوا نكون معاً «أهلَ لبنان» فقط. تعالوا نخرج من تصنيفاتنا الدينية والطائفية والمذهبية نحو رحابِ هويةِ الوطن والعقل والعاطفة. لا نَدع اللسانَ يفرِّق ما جمعه الكتاب، والسيفَ يُميت ما خلقه الروح. لا قيمةَ لدين خارجَ الإنسان، ولا قيمةَ لإيمان خارجَ المحبة، ولا قيمةَ لشراكة خارج الدولة. بعيداً عن هذه الحقائق المبَـيَّـنة تاريخياً، نصبح مؤمنين بلا أديان، وتصبح أدياننا بلا مؤمنين. حتى الآن حدّد الفلاسفةُ الملحِدين بنوعين: أولئك الذين لا يؤمنون بالله تحديداً، وهذا موقف ماديّ، وأولئك الذين لا يؤمنون بأي مطلق، وهذا موقف عَدَميّ. أما مع ممارسات بعض أتباع المذاهب نضيف نوعاً آخر: الملحِدون هم أولئك الذين يُـزوِّرون مفهومَ الدين، وهو موقف الأشرار.
---------------------
* نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية
Envoyé de mon iPad jtk
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Bienvenu