lundi 17 février 2020

دعوة لبنان التاريخية البطريرك بشاره الراعي

دعوة لبنان التاريخية

  البطريرك بشاره الراعي

الرسالة العامة الثانية  2013 - إيمان وشهادة - الجزء الثالث

عيد البشارة 25 آذار 2013

 

الفصل الثالث   

دعوة لبنان التاريخية  - لبنان مهد ثقافة عريقة

27. مسيحيو لبنان مدعوون، باعتبارهم أصحاب تجربة في حوار الحياة والثقافة والمصير مع المسلمين، إلى شهادة أكبر على تعلّقهم بإيمانهم بكرامة الإنسان التي من أجلها عملوا لقرون من الزمن، حتى حققوا مع شركائهم المسلمين بلدًا يقوم على صيغة فريدة كرّست الوحدة في التعدّد من دون تهميش أيِّ مكونٍّ فيها. وفي الوقت عينه أرسوا علاقات مع البلدان العربية، على قاعدة الأخوة والتضامن من ضمن احترام سيادة كل بلد. في هذا الوقت بالذات على مسيحيي لبنان ومسلميه أن يلعبوا دورًا رياديًا في المنطقة، بأن يقنعوا الآخرين بأهمية النموذج الذي أوجدوه معًا. فهم خبروا كل أوجه الحياة معًا، حتى التقاتل بعض الأحيان، لكن التاريخ قد برهن أن لبنان إما أن يكون بجناحيه أو لا يكون. لذلك إن "الربيع اللبناني" المسيحي-الاسلامي، هو الباب الذي يجب اجتيازه، رغم هشاشته بعض الأحيان، لبلوغ "ربيع عربيحقيقي وسليم، لا يكون بابه العنف والحرب والممارسات الإرهابية.

28. تبرز دعوة لبنان التاريخية في مستهلّ الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، حيث يقول البابا: "أشرتُ إلى أنّ التزام المسيحيّين أمرٌ هام للبنان،́ الذي تتّسم جذوره التاريخية بالطابع الدينيّ. وبحكم هذه الجذور الدينية للهويّة اللبنانية الوطنيّة والسياسيّة، أتيح لنا وأردنا أن نعقد بعد سنيّ الحرب القاسية جمعيّة سينودسيّة، للبحث معاً عن السبيل إلى تجديد الإيمان، وإلى تعاونٍ أجدى، وشهادةٍ مشتركة أكثر فاعليّة، من دون إغفال إعادة بناء المجتمع̀̀ ". وأضاف: "لبنان بلد طالما اتّجهت إليه الأبصار. لا يمكننا أن ننسى أنّه مهد ثقافة عريقة وإحدى منارات البحر الأبيض المتوسّطفلا يستطيع أحد أن يجهل اسم بيبلوس التي تذكّر ببدايات الكتابة". هذان التأكيدان هما في أساس دعوة لبنان التاريخية ورسالته في المحيط العربي وتجاه الغرب.

المحافظة على خصوصية لبنان

29 . وكان البابا يوحنا بولس الثاني قد اشاد بالخصوصية اللبنانية وأهمية المحافظة عليها في رسالة وجّهها إلى اللبنانيين في أوّل ايار 1984، كتب فيها: "سنوات الحرب الطويلة يجب ألاّ تنال من ثقتكم بلبنان. فهو قيمة حضارية ثمينة: ولنفكّر في ما الإنسانية جمعاء مدينة له منذ عهد الفينيقيين البعيد، من دون أن ننسى تلاقي الأديان، والحوار الثقافي بين شرق وغرب، والمبادرات المسكونية، والحرية، والتفاهم والضيافة وانفتاح الروح، إنّ هذه كلّها كانت القيم التي نهض عليها لبنان الأمس، وهي في أساس لبنان الغد. وإنّ مجتمعاً تنعشه مثالية ديموقراطية، متعددة، وله تراث ثمين، لا يمكن أحداً أن يسلّم بأن يراه في طريق الزوال. ولا تستطيع جميع البلدان، صديقة السلام والحرية إلاّ أن تقدّم دعمها للبنان، لتساعده على استعادة وجهه الأصيل، وهذا ما سيكون عمل اللبنانيين وحدهم، وهو عمل يقتضي له صبر وسخاء"[22].

30. وفي رسالة وجّهها إلى جميع أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في العالم، بتاريخ 7 أيلول 1989، طالباً منهم تخصيص يوم صلاة شامل من أجل لبنان، كتب: "إنّ الكنيسة، بهذه المبادرة الروحية، تريد أن تُظهر للعالم أنّ لبنان أكثر من بلد. إنّه رسالة حرية ونموذج في التعددية، للشرق كما للغرب... علينا أن نبيّن التقاليد الغنيّة والعريقة في التعاون بين المسيحيين والمسلمين في هذا البلد التي جعلت منه، إلى زمن بعيد، نموذجاً للعيش معاً، يتميّز بالتعاون المتبادل، والحوار والتوافق في خدمة الإنسان. هذه شروط لا بدّ منها للحرية والسلام واحترام كرامة الشخص البشري. لقد أصبح القبول بهذه التعددية وممارستها قيمة اساسية في مسار تاريخ لبنان الطويل. إذا زال هذا البلد، فإنّ قضيّة الحرية بالذات هي التي تُصاب بالفشل المفجع"[23].

31. هذه الأقوال تبيّن حقيقة هوية لبنان ودعوته التاريخية بأنه كما سمّاه المجمع البطريركي الماروني "شراكة بين مسيحيي لبنان ومسلميه، شراكة الثقافة وشراكة والمصير"، على أساس العيش معاً بالمساواة والتكافل والتضامن. هذه الثلاثة هي بمثابة حجر الزاوية للبناء اللبناني. ويضيف المجمع البطريركي الماروني أنّ "هذا النموذج اللبناني أجرى تحوّلاً تاريخيّاً في العلاقة المسيحية - الإسلامية بالمطلق. فقد نقلها من التوتّر وعدم التكافؤ إلى التوافق والتكامل. وكان لكنيستنا المارونية دور حاسم في إرساء هذا النموذج. وسيبقى دورها مصيرياً في صيانته من العثرات"[24].

هذا الدور المنوط بوحدة اللبنانيين الداخلية، يمكّنهم من الإسهام في إخراج العالم العربي من مخاضه الحضاري إلى إقرار الوحدة في التعدّد والحريات العامّة، والعمل بمقتضيات العدالة والسلام وحقوق الإنسان ولا سيّما حقوق المرأة، ومنح الجماعات حقوقها بحكم المواطنة، وتعزيز التوافق بين جميع مكوّنات البلاد وتربية المواطنين عليه وإدراجه في القوانين.

32. خصوصية لبنان تقتضي المحافظة على جناحيه المسيحي والمسلم، بحيث يشكّل كلّ واحد منهما على تنوّعه وغناه، قيمة مضافة، تؤلّف جمال التنوّع في الوحدة. هذا ما يُسمّى "بالفسيفساء اللبنانية" المُعبّر عنها "بالعيش المشترك" أو "العيش معاً".

كل ذلك يشكّل دعوة لبنان التاريخية في محيطه العربي، وفي الأسرة الدولية. يرمز إلى لبنان ذاك "النسرالذي رآه حزقيال (500 سنة قبل المسيح)، وقال عنه: "إنّ نسراً عظيماً ذا جناحين عظيمين، طوال القوادم، الممتلئ ريشاً، الموشّى بالألوان، قد أتى لبنان واستقرّ على ناصية الأرز؟" (حز 17: 3).

الصيغة الميثاقية

33. وما يعزّز هذه الخصوصية تميّز نظام لبنان عن سواه، بين بلدان الشّرق الأوسط، بميثاقه الوطني الذي ارتضاه المسيحيّون والمسلمون في دولة مدنية، قوامها جمع من دون اتحاد وتمييز من دون انفصال بين الدين والدولة. والصيغة التي اختصرت الميثاق تعبّر عن هذا الأمر: "لا للشّرق ولا للغرب"، أي "لا" للذوبان في المحيط العربي و"لا" للتبعية للغرب، ممّا يعني بتعبير اليوم: "لا" للتيوقراطية أو الأحادية و"لا" للعلمنة السلبية. وتطورت هذه الصيغة سنة 1958 بـ"لا غالب ولا مغلوب" تعبيرًا عن أن اللبنانيين يريدون دولة تكفل حق الجميع، لا دولة تقف عند حدود التوافق بين الطوائفعكست المادة التاسعة من الدستور اللبناني إرادة اللبنانيين في قيام هذا النظام المتوسّط بين حق الطوائف واستقلالية الدولة في الحقل العام، إذ تنصّ: "حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها، على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

34. إن غاية الميثاق الوطني الأساسية هي المساواة والعدالة بين مكونات الوطن الواحد، لتحقيق عيش معًا حقيقي، قائم على الثقة والاعتراف المتبادل، ووحدة المصير. لذلك فالميثاق يتخطى مستوى التساكن إلى منطق التواصل والتفاعل والإغناء والمشاركة، من دون إلغاء الخصوصيات والفوارق التي تصبح مصدر غنى للجميع[25]. وتجسيدًا لأبعاد الميثاق وضع اللبنانيون صيغة المشاركة المتوازنة في الحكم وإلادارة، باعتماد "المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. واذا كانت الوظيفة تقنية، روعيت فيها الكفاءة. وكان التوافق على ان يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس مجلس النواب شيعياً، ورئيس مجلس الوزراء سنّياً. والصيغة تعتمد في الدستور قاعدة التساوي بين المسيحيين والمسلمين في توزيع المقاعد النيابية (المادة 24)، وتشكيل الوزراء (المادة 95،أ)، وتعيينات وظائف الفئة الاولى وما يعادلها (المادة 95، ب). لكنها انحصرت بتوزيع المسؤوليات العامة على جميع الطوائف بالانصاف، وكان يؤمَل من هذه الصيغة تأمين استقرار الكيان وتحقيق الديموقراطية وازدهار الاقتصاد، لو تطوّرت حسب مقتضيات الحداثة والتجربة التاريخية"[26].

استكمال الدولة المدنية 

 35. يتبيّن من الصيغة الميثاقية أنّ لبنان دولة مدنية، غير دينية، بمعنى انه لا يعتمد دينًا للدولة، ولا كتابًا دينيّاً، الانجيل او القرآن، كمصدر للتشريع، ولا يحصر السلطة السياسية والقضائية والعسكرية الكبرى بدين او بمذهب، خلافًا لكل البلدان في منطقتنا ذات النظام الديني او التيوقراطي. لقد أعطي اللبنانيون مهمة مشتركة هو استكمال تحقيق هذه الدولة المدنية  لكن لبنان، المكوَّن من طوائف ومذاهب اسلامية ومسيحية، يتأثّر الى حدٍّ بعيد بما يجري في محيطه. ونتائج هذا التأثير تحرّك العصبية الطائفية والمذهبية الذي يرافقه الخوف من غياب الصوت المعتدل الذي هو صوت الاكثرية الاسلامية في بلدان الشرق الاوسط، وخصوصاً لبنان.

ومع هذا، ما زال مفهوم الدولة في لبنان سليماً، لأنها لا تستمد سلطتها من الدين، بل من المواطنين. لبنان دولة مبنيّة على "سلطة الشعب"، كما تنصّ مقدّمة الدستور: "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستوريّة"(بند "د"). انها دولة قائمة على حقوق الانسان، بغضّ النظر عن دينه أو عرقه أو مستواه الاجتماعي. فمقدمة الدستور تنصّ على أنّ لبنان "ملتزم مواثيق منظّمة الأمم المتّحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والدولة تجسّد مبادئهما في جميع الحقول والمجالات دون استثناء" (بند ب). ومواد الدستور تنصّ أيضاً على الإقرار بالحرية الشخصية (م 8)، وحرية المعتقد (م 9)، وحرية التعليم (م 10)، وحرية إبداء الرأي قولاً وكتابة، مع حرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيّات" (م 13). كما أنّ الدستور يؤكّد على أنّ "كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتّعون بالسواء دون ما فرق بينهم" (م 7)، وأنّ "لكلّ لبناني الحقّ في تولّي الوظائف العامّة، ولا ميزة لأحد على الآخر إلّا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينصّ عليها القانون" (م 12).

ميزة لبنان التمايز والاستقلالية بين الدين والدولة، في الصيغة والهيكلية والوسائل.  ويقوم في الوقت عينه تعاون بين الاثنين وتفاهم وتضافر جهود من أجل الخير العام وخير الإنسان[27].

ومن خصوصية لبنان انه يعتمد الديموقراطيّة التوافقيّة، لا العدديّة الطائفيّة، لكونه مجتمعاً تعدُّدياً. وهو يدرك أنّ الديموقراطية العددية القائمة على أساس طائفي لا تضمن للمواطنين تمثيلهم الفعلي في الدولة بصفتهم المواطنية، بل بانتماءاتهم الطائفية؛ كما أنّها قد تُستخدم أداة لقهر الأقليّات. فيأتي التمثيل لصالح الأكثرية الطائفية عمليّاً، الأمر الذي يشكّل خطراً على الطوائف القليلة العدد. وقد يؤدّي أيضاً إلى الارتكاز على الأكثرية العددية لتغيير الدستور، والتضييق على حرية المعتقد، وفقدان التمثيل السياسي الصحيح للطوائف التي يتكوّن منها لبنان. لذلك اعتمدت الدولة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، "كجناحَين يطير بهما لبنان"، وأُسندت رئاسة الدولة إلى مسيحي من أجل حمايتها كدولة مدنيّة لا تعارض الدين، وتتجنّب تحويلها إلى دولة دينية، تحت تأثير محيطها[28].

36. من أجل استكمال الدولة المدنية في لبنان، ينبغي قبل كلّ شيء تطبيق الدستور بمضمونه وروحه، وتفعيل المؤسسات الدستورية وعمل المجالس والأجهزة الرقابية، منعاً للفساد وهدر المال العام، وفرضًا لمهابة الدولة بتعزيز قدراتها، فتكون دولة قويّة وقادرة على تأمين حقوق المواطنين وحمايتهم. كما يجب الحدّ من تدخل السياسيين في الإدارة، ومن الولاء للطائفة أو لأصحاب النفوذ فيها. ولا بدّ من تربية المواطنين منذ صغرهم، على الانتماء الكامل والمخلص للدولة أوّلاً وآخراً.

استكمال الدولة المدنية لا يُفرض فرضاً، بل ينبع من الداخل كعقد اجتماعي يتوافق عليه اللبنانيون، ويحصّنونه بقيم مشتركة. وبهذا يضعون حدّاً لخلافاتهم، وتكفّ الفئات اللبنانية عن أن تفرض أي منها رأيها على الآخرين، أو أن تهيمن على غيرها.

وينبغي قيام مركزية قويّة وفعّالة ومحايدة عن الطوائف والتيارات السياسية، تكون قادرة على حفظ حقوق المواطنين، مع مراكز قرار متعدّدة ومتعاضدة داخل هيكلية الحكم، فضلاً عن إنشاء اللامركزية الموسّعة التّي من شأنها أن تخلق إطاراً لتخفيف الصراع السياسي في الدولة المركزية، وتكون حافزاً لإبعاد السياسيين عن العمل الإداري داخل الدولة المركزية.

 37. من أجل هذا المسعى، دعونا إلى عقد اجتماعي جديد، يكون عقدًا تقر فيه الجماعات صراحة أن خيارها النهائي الدولة، بعدما جربت كلّ منها الدويلة أو الاستئثار السياسي بالدولة. في العقد التأسيسي للبنان ارتضينا الكيان كل بحسب ما فسر انتماءه إليه، لكن الرضى تم. يبقى ارتضاء الدولة أفقًا نهائيًا لجميعنا، وهو أمر لم يتم بعد بشكل حاسم، ولا يخفى ذلك، لأن الأحداث المتسارعة على أرض لبنان والاحتقان الحاصل والتشاطر في السياسة، إضافة إلى الميل الدائم للإستقواء بالخارج، والانخراط في المحاور الإقليمية والدولية، تشير بوضوح إلى أزمة خيار تجاه الدولة.وهذه الأزمة تفسّر ما قيل يومًا "أننا استقلينا دستوريًا لكننا لم نست     قل تاريخيًا"، أي أن تاريخ الجماعات لم يترك للدولة بعد مجالاً بأن تكون هي الأفق الحقيقي والضامنة الوحيدة لتحقيق ما تصبو إليه. فقبل كل شيء نحن بحاجة إلى التصالح مع مفهوم الدولة

لبنان يحتاج إلى زيادة في كمية الولاء للدولة. بعد ذلك إلى رسم حدود واضحة لالتزامه بالقضايا العربية حتى لا تعرّض سيادته أو استقراره للتدهور. فلبنان يساند قضايا العرب بقدر ما يحافظ على خصوصيته، ويناصر قضايا السلام والوئام في العالم بقدر ما يتألق نموذج عيشه المشترك.

38. أن التحولات التي تشهدها المنطقة تشكل حافزا للبنانيين لكي يعملوا على إجراء الإصلاحات اللازمة لتدعيم هذه الخصوصية، ورفع شأن الدولة التي تبقى هي الملاذ الأمين للحفاظ على عيشهم المشترك، لأن الواقع يشير إلى تراجع في التمسك بالدولة. فاللبنانيون والمسيحيون خصوصًا معنيون بتحصين الدولة لأنها ثمرة جهد تاريخي، ولن يرحم التاريخ من يخرج على الدولة أو يعبث بها. أليس مستغربًا أن العالم العربي يبحث عن الدولة في حين أن اللبنانيين يتخلون عنها.

حياد لبنان الايجابي والملتزم بمحيطه

 39. إنّ خصوصية لبنان الميثاقيّة ونموذجية عيشه المشترك تستدعيان إعلان حياد لبنان الإيجابي الذي يجعل منه، كما قال البابا يوحنا بولس الثاني "إحدى منارات البحر الأبيض المتوسّط"، مكانًا مميزًا للتلاقي ولحوار الأديان والحضارات، وعنصر استقرار وسلام في الشرق الاوسط، وواحة فريدة لشعوبه، إذ يولي اهتمامًا خاصًا للقضايا الدولية كعضو ملتزم في منظمة الأمم المتحدة، والقضايا العربية كعضو فاعل في جامعة الدول العربية، في كل ما يختص بالسلام والعدالة والتفاهم بين الشعوب. كما ويسهم هذا الحياد في خدمة الشرق الأوسط على المستوى الثقافي والمالي والاقتصادي والعمراني، وفي تقليص الهجرة، ويسهّل لأبنائه المنتشرين في العالم مجالات الإستثمار والعودة إلى ربوعه.

40. وحده لبنان الحيادي يعطي السّلطة احتكار القوة بيدها دون سواها، فيعيش لبنان بسلام داخلي ومع الدول القريبة والبعيدة، من دون أن يُهَدِّد أحداً، أو يُهدَّد من أحد. كما يحصّن العيش المشترك ضمن التعددية في الوحدة، ويكون بالتالي مثالا يحتذى به في دول الشرق الأوسط ، في زمن العولمة والحداثة.

نحن نعتقد أنَّ إعلان حياد لبنان حاجة لبنانية وعربية، ومطلب ينبغي أن تتبنّاه الأسرة الدولية  لكي يصبح مكان اللقاء بين الشرق والغرب، بحكم موقعه الجغرافي وصيغته الميثاقية، ومركزا دوليا لحوار الأديان والحضارات، تعترف به منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. وفي زمن السعي إلى تحقيق "ربيع عربيحقيقي،  يكون نموذج لبنان الحيادي طريقًا مضمونًا إليه.

*      *    *

الخاتمة

 41. الايمان والشهادة يشكلان محور سنتنا الثالثة في الخدمة البطريركيةإيمان متجدّد بالمسيح، المخلص والفادي، وشهادة لمحبته، كما كتب قداسة البابا السابق بندكتوس السادس عشر في رسالة الصوم الكبير لهذه السنة: "الايمان هو معرفة الحقيقة وقبولها (راجع 1 طيم 4:2) ، والمحبة هي السير في الحقيقة وعيشها (راجع افس 15:4)؛ بالايمان ندخل في الصداقة مع الله، وبالمحبة نعيش هذه الصداقة وننمّيها؛ الايمان يجعلنا نقبل وصية المسيح الرب والمعلم، والمحبة تملأنا فرحًا باتمامها؛ بالايمان نميّز عطايا الله، وبالمحبة نثمّرها" (الفقرة 2).

اننا نكل هذا العزم الى حماية أمنا مريم العذراء، سيدة البشارة، و"باب السماء"، طالبين منها ان تشفع لنا عند ابنها. ونستودع المسيح الإله "سنة الايمان"، راجين أن تكون زمن نعمة وتّجدد، "وبابًا مفتوحًا لا يقدر أحد ان يغلقه" (رؤيا 8:3)، باب الايمان والمحبة، باب الرجاء والسلام.

عن كرسينا في بكركي، عيد بشارة العذراء مريم، 25 آذار 2013.

+الكردينال بشارة بطرس الراعي

 بطريرك انطاكية وسائر المشرق

---------------------------------------------------------------------------------------------------

[22] أنظر كتاب: البابا ولبنان، ص. 62 – منشورات جامعة سيدة اللويزة، تحقيق الأب جان مارون الهاشم.

[23] المرجع نفسه، ص. 127-128.

[24] النص المجمعي: حضور الكنيسة المارونية في النطاق البطريركي، 21 و22.

[25] النص المجمعي 19: الكنيسة المارونية والسياسة، 36-37.

26 شرعة العمل السياسي، ص 29-30

[27] "شرعة العمل السياسي" تتوسع في هذا الموضوع. راجع الصفحات 11-17

" شرعة العمل السياسي" تتوسع في هذا الموضوع.

راجع الصفحات 11-17

28 روجيه ديب: لبنان المستقر، صفحة 131-144    
JoseT Khoreich

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Bienvenu